كان عدم حصول الرئيس الأمريكي ترامب على جائزة نوبل نبأ عظيم، لأنه لا يعقل حصول من حرض على ودعم إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويصمت عن الإبادة الصامتة إعلامياً بالضفة الغربية، وسعى لتهجير أهل غزة لأرض بديلة لتحويل القطاع لريفييرا الشرق الأوسط، أن يحصل على جائزة نوبل للسلام، لأنه أراد الحصول عليها فقال "إنه أوقف 8 حروب في 8 أشهر، هي "كمبوديا وتايلاند، وكوسوفو وصربيا، والكونغو ورواندا- وهي حرب ضارية وعنيفة- وباكستان والهند، وإسرائيل وإيران ( التي كانت أمريكا جزءً منها) وأرمينيا وأذربيجان، ومصر وإثيوبيا،(لا نعرف متى حدثت)، وأخيراً إسرائيل وأهل غزة ومقاومتها، فيما استعصت عليه روسيا وأوكرانيا".
والحقيقة أنه أجبر الكيان الإسرائيلي وضغط عليه للقبول بخطته التي صاغها مع رفيقه نتنياهو، لإدراكه أن إسرائيل باتت في غزلة عالمية، وحرب شعبية عالمية ضد الكيان، وهو ما اعترف به شخصياً بتصريحه بأنه قال لنتنياهو "إن إسرائيل لن تستطيع محاربة ومواجهة العالم".
وجائزة نوبل للسلام لعام 2025، لم تذهب بعيداً عن ترامب، فقد أعلنت «لجنة نوبل» النرويجية، المكونة من خمسة أشخاص، منح الجائزة للمعارضة الفنزويلية "ماريا كورينا ماتشادو"، التي وصفته في خطاب جماهيري لها بالعاصمة الإسبانية مدريد "بأنه صاحب رؤية (؟!) وأشادت بجهوده لإسقاط نظام مادورو، بإرسال تعزيزات بحرية قبالة سواحل بلادها، وذكرتني ماريا باليمينة توكل كرمان التي حصلت على ذات الجائزة في عام 2011، ووصفت من جانب الإعلام الأمريكي والإعلام الموالي، بأنها أم الثورة الشبابية الشعبية السلمية اليمنية، علماً بأن كرمان التي كانت تعمل بمنظمة صحافة بلا حدود باليمن، كانت على علاقة وثيقة بالسفارة الأمريكية بصنعاء، وقريبة من جماعة الإخوان، التي طردتها من ساحة التغيير عند عودتها للساحة عقب حصولها على الجائزة، بعد اكتشاف تقربها من السعودية، كما لفظها منظمو الثورة الشبابية لكونها كانت تعمل لحساب أمريكا وتركيا، التي منحتها الجنسية التركية.
أما ماريا الفنزويلية، المتفقة مع كرمان في التأمر على بلدانهما تحت عنوان حقوق الإنسان، فهي داعمة لإبادة الشعب الفلسطيني، وقد أعلنت دعمها للكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023، وأعلنت في ذلك العام في حال فوزها في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية ستعيد علاقات بلادها مع الكيان وفتح سفارة لبلادها بالقدس، علماً بأن فنزويلا قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل منذ العام 2009، في أعقاب العدوان على قطاع غزة في عهد الرئيس تشافيز، الذي قرر طرد السفير الإسرائيلي وموظفي السفارة.. وفي 2023، اتهم وزير الخارجية السابق والرئيس الحالي للبلاد نيكولاس مادورو، إسرائيل بارتكاب «إبادة جماعية» بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة، مدعما فرض حظر نفطي على الكيان الإسرائيلي.
ومن هنا يتضح أن جائزة نوبل للسلام تمنح لداعمي الصهيونية، وما يؤكد ذلك أن اللجنة النرويجية، خوفاً من الرئيس ترامب قالت إنها اجتمعت قبل يومين من توقيع اتفاق شرم الشيخ لوقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأن جهوده لتحقيق السلام تجعله مرشحا قويا للفوز بالجائزة في العام المقبل.. وهو ما قالته ماريا في مقابلة مع صحيفة “تايمز”، لأن عدد النزاعات الدولية التي تم حلّها أو تفادي اندلاعها خلال الأشهر التسعة الماضية، خصوصاً في الشرق الأوسط، يعزز، فرص ترامب لنيل الجائزة عام 2026.
أي جائزة هذه التي تمنح بالإرهاب، فقد ذكرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، وصحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية، أن النرويج قلقة بشأن التدابير التي من المحتمل أن تتخذها الإدارة الأمريكية لمنح الجائزة لشخص آخر غير ترامب، والتي غالباً ستكون بزيادة الرسوم الجمركية على السلع النرويجية، أو فرض قيود على صندوق الثروة السيادي النرويجي البالغ قيمته تريليوني دولار، لأنه دائماً ما يلجأ إلى معاقبة من يثيرون استياءه أو يخيبون آماله.. إنه الإرهاب بعينه.
علماً بأن أهل غزة هم الأولى بالحصول على جائزة نوبل، لأنهم لم يعتدوا، بل أعتدي عليهم، أهل غزة لم يمارسوا الإرهاب، بل مورس ضدهم، أهل غزة ومقاومتها يدافعون عن حرية الأرض والعرض، الذي يسمى وطن.. غزة وأهلها تحملوا مالا يتحمله بشر على مدى عامين، ما عاشته الجزائر على مدى 132 عاما (من5 يوليو عام 1830، إلى5 يوليو عام 1962) تحت وطأة الاحتلال الفرنسي، واليمن الجنوبي 128 عاما (من19 يناير 1839، إلى30 نوفمبر 1967) تحت وطأة البريطاني، عاشته غزة في عامين صامدة، صابرة.. بل إن الصبر والصمود يتعلمان من أهل غزة، الذين ظلوا متمسكين بالأرض، رغم الإبادة والجوع والمرض، ولم نسمع أو نشاهد حتى عبر الشاشات العربية الإبراهيمية مواطنا واحداً يطالب بهجرة غزة، ومشهد عودة أهل غزة لمناطقهم ومنازلهم المهدمة بشمال القطاع كفيلة بتمسك الشعب وصموده.
أهل غزة ومقاومتها، علمونا أن المقاومة لا تموت، يموت الدهر وتبقى المقاومة.. لأنه يحسب للمقاوم الفلسطيني بـ "الشبشب" و"الكوتشي" وملابسه المنهكة، أنه قاتل بثبات، وفاوض بثبات.. ولم يغير عقيدته، وظل ثابتاً يد تقاتل وأخرى تفاوض.. ورغم كل ما تعرضت له من تشويه وضغوط وإغراءات شخصية لم تغير خريطتها التفاوضية القائمة على (انسحاب كامل للاحتلال من القطاع، والعودة إلى الوضع قبل السابع من أكتوبر 2023، إدخال المساعدات وفتح كامل المعابر، وإعادة الإعمار، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم ذوي المؤبدات، ووقف دائم للحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية).
وختاما، نوبل للسلام كانت ولازالت من حق أهل غزة ومقاومتها.. ولكننا لا نملك إلا أن نقول "لغزة منا سلام"، وكما قال رئيس حركة حماس خليل الحية " سلام على غزة، سلام على رجال غزة، سلام على نساء غزة، سلام على أطفال غزة، سلام على شيوخ غزة، على شهداء غزة، على جرحى غزة، على أسرى غزة، سلام على القادة الشهداء العظام".. وكما قال أحد أيقونات طوفان الأقصى أبو عبيدة: "يا أبناء شعبنا الصابر العظيم إننا نقبّل رأس كل أبناء شعبنا الكبار الصابرين المرابطين المنصورين، ونرفع لهم أعظم التحية".
------------------------------------
بقلم: محمد الضبع